ثلاثة أسئلة حول الأبجدية البصرية المعاصرة

ثلاثة أسئلة حول الأبجدية البصرية المعاصرة

لاشك فى أن عملية التداخل والانصهار بين الانواع الفنية لا زالت تواصل صعودها، وبالمثل تواصل مغامرات تجاوز الحدود بين الاجناس وفصائل الابداع البصرى تقدمها، وتكشف لنا دائماعن نتائج مدهشة. على الجانب الاخر هناك من يصر على اكتشاف المناطق البينية للابداع، ليفتح تلك المناطق التى تركت بلا تحديد دقيق لهويتها او لمن يحتويها داخل حدوده الآمنة ، لجعلها مناطق محررة ومتاحة للجميع. ورغم ذلك لازالت حصون دفاعية راسخة ، تتمسك بالهوية المنفصلة وباستقلالية كل مجال ابداعى داخل وسيط يخصه ، بل وتمارس نقدها اللاذع للتهجين المتزايد واستعارة طرق التأثير والبلاغة الخاصة . ولكن الدفاع عن جوهر ابداعى يخص كل مجال ويحتكره، واعتباره ملكية  تخص مجال بعينه ، لم يعد مقبولا ولا رادعا.

المناطق المشتركة ،ربما تشكل المدخل الأكثر عملية لتأمل كيف تلتقى آاليات مختلفة ونظم وممارسات تبدو متباعدة وتنصهر داخل العمل الفنى الواحد. وفيما يخص موضوعنا هنا، اعتقد أن السطح يمثل مشتركا مفتوحا، فالعمل على السطح او العرض على سطح مستو ، امر يتشارك فيه كل من الفوتوغرافى والرسام والمصور والحفار ومنتج الفيديو رغم تنوع الوسائط  واختلاف سياسات بناء العمل وطبيعة المادة المقدمة للعين.

ولكن السؤال الأول الذى شغلنى كلما شاهدت تلك العمليات من استعارة آليات انتاج الأشكال ، هو سؤال عن الضرورة فى الأساس : لماذ ؟ فهل يجب على المبدع أن يستنفد امكانات مجاله  أولا ، قبل أن يستعير سياسات انتاج الشكل فى المجالات الأخرى؟ ام أن عليه إعاده النظر فى طريقة بناء العمل ليتسع لتلك العناصر الوافدة . وسأتوقف هنا امام ملمح لاحظته فى ألكثير من أعمال الفيديو، الا وهو اللجوء الى توقيف المشهد ، او وتسكينه او الإبطاء اللحظى، وهو ما يتيح للفنان  تنظيم عناصره وفقا لمنطق المشهد الثابت، او كى يؤكد حضور اللون والملمس  بل واللجوء الى عناصر فى الابجدية التى يستخدمها المصور مثل النقطة والكشط والخط والمساحات وطريقة اٌضاءة ، او مثلا اللجوء الى بناء المشهد عبر مستويات متداخله بحيث نشاهد الواقع من عين الكاميرا ونتابع  فى نفس الوقت مساحات مستعارة بكاملها من منطق التصوير واللوحات  تتحرك او تتقاطع مع ما نشاهده .

السؤال الثانى عن الكيفية ؟  وهنا أيضا سأعود الى شاشة الفيديو ، كيف يلجأ مبدعو الفيديو مثلا ، الى  تراث التصوير، كما كان من قبلنا يحاولون فهم كيفية إدخال عنصر التلوين فى النحت ،وتأمل الاستحقاقات التى تبرراستعارة اللون كعنصر داخل عمل نحتى . المصورون يطرحون الآن اسئلة  اكثر تعقيدا ،وهم يدركون أن الطاقة التى تطلقها امكانات الحركة والمونتاج والصوت والتكرار وتغيير الزوايا تكفى لبناء الأعمال من داخل منطقها ولغتها الخاصة . هل البحث عن التأثير اللحظى هو ما يدفع لزيادة جرعةالإثارة البصرية ، وهل المبدع مطالب بتوليد عناصر التصوير التى لجأ اليها وفقا لضرورة داخلية ، من داخل ثنايا عمله المتحرك ، أم انها تشكل مسارا مفتوحا ومتفاعلا بحرية داخل بنية مادته.

أما سؤالى الأخير فهو عن طبيعة النظرة، وطريقتنا المعاصرة فى التأمل فى مواجهة هذا الفيض البصرى المتداخل، و تعدد وسائط انتاج الصور، فهل نحن بصدد ابجدية بصرية لم تكشف بعد كل اوراقها، وهل اصبحت الجماليات البصرية مرهونة بالتلاحق المهلك للمشاهد، وان العين مطالبة الآن بالركض خلف الصور ، وهل الاختفاء والمحو المتلاحق للمشاهد يجعل الذاكرة أكثر حدة ، أم أن تعدد المثيرات والتفاصيل الى أبعد من حدود العين والقدرة على التأمل سيخلق طريقة جديدة للنظر. وما أثر تلك المستجدات على  العقل والوجدان المعاصرين؟

عادل السيوي

القاهرة يناير 2017